الجمعة، 10 أغسطس 2012

الترجمة الفورية


تمهيد:

الترجمة الفورية نشاط فكري وإبداعي يقوم على أساس اكتساب المضامين المعرفية والعمل على نقل هذه المضامين بطرق شتى يتم اختيارها من قبل المترجم الفوري ، ولابد من ان يكون نقل المضامين متكاملاً . وفي الحقيقة لا تعدّ مهمة الترجمة الفورية مسألة يسيرة وإنما هي مسألة معقّدة ومتشعّبة ودقيقة . وتختلف الترجمة

الفورية عن الترجمة التحريرية في جوانب عديدة أهمها الإصغاء والفهم والتحليل وتبليغ الرسالة في وقت محدد للغاية أي ان ليس للمترجم الفوري متسعاً من الوقت لكي يصوغ التراكيب ويعيد صياغتها مثلما يريد في الوقت الذي هنالك من يستمع اليه ينتظر منه إبلاغه الرسالة وبالسرعة الممكنة كما ان المترجم الفوري يواجه المستمع الذي يستلم منه الرسالة في حين ان المترجم التحريري يواجه القارئ الذي سوف يقرأ ما يدوّنه . وهنالك اختلافات أخرى بين المترجم والمترجم الفوري .

فالمترجم الفوري لابد من ان يكون مؤهلاً للإضطلاع بهذه المهمة الصعبة والدقيقة ولا يمكن ان نطلق صفة المترجم الفوري على أي شخص مهما كان دون توافر شروط عديدة تجعل منه مترجماً فورياً ناجحاً . إذ لا بد من ان يكون قد اجاد كلاً من اللغتين التي يعمل فيهما ولا يكتفي بمعرفة المفردات فحسب بل عليه ان يجيد استعمالاتها السياقية لينقل الرسالة بكل أمانة كما ان على المترجم الفوري ان يجيد اللفظ بصورة صحيحة لانه يختلف هنا عن المترجم التحريري الذي لا يحتاج إلى الكلام وإنما إلى اللغة المكتوبة وهنا نؤكد على دقة اللفظ والصوت معاً من قبل المترجم الفوري وإلا فأن نقل الرسالة اللغوية لن يكون دقيقاّ . ومن ناحية أخرى لابد من ان يتحلى المترجم الفوري بالشجاعة والجرأة لمواجهة مواقف لغوية تتطلب منه اتخاذ قرار ترجماني حاسم لمعالجة الموقف أي انه في هذه الحالة يميل إلى الترجمة التقريرية La Traduction decisionnelle) ) فضلاً عن الترجمة الفورية (فإن لم يمتلك الشجاعة والجرأة في معالجة المواقف الترجمانية المتوقعة وغير المتوقعة سوف يتعرض الى مواقف تجبره على قطع سلسلة الأفكار مما يثقل مسامع الحضور والمشاركين في المؤتمر .

وتتطلب الترجمة الفورية ان يكون للمترجم الفوري ممارسة فعلية وتجربة عملية وخبرة ترجماتية طويلة تمتد إلى سنوات طوال لكي يكون مترجماً ناجحاً وهنا لابد ان نؤكد على ان الترجمة الفورية ليست مسألة دراسة جامعية في جامعة ما أو في معهد كما انها ليست مسألة شهادة يحصل عليها المترجم فإن ذلك يعدّ مؤهلاً أكاديمياً لا يكفي ان يجعل من حامل الشهادة تلك مترجماً فورياً ناجحاً كما انه ليس كل من ترجم اسطراً عديدة أو ربما صفحات عديدة أو مقالات عديدة أصبح مترجماً لامعاً في ميدان الترجمة هنالك الكثير من هؤلاء الذين ليس لديهم شاغل سوى توجيه الانتقاد وليس النقد للترجمة وللمترجمين فهؤلاء يدعون الترجمة وليس لهم القدرة على الترجمة الحقيقية التحريرية منها والفورية فهم أعجز من ان يستطيعوا القيام بترجمة رصينة وعلمية ويحاولون بتوجيه انتقاداتهم لأي عمل ترجماني الظهور بمظهر الخبير بالترجمة وهم ليسوا كذلك فلو كتب عليهم ان يزجّوا في الميدان لرأيتهم فروّا منه مسرعين بكل الحجج والذرائع الواهية التي لاتمت بأية صلة بالممارسة الترجمانية .

مراحل الترجمة الفورية :

تمر الترجمة الفورية في مراحل عديدة ومهمة ومتعاقبة ويأتي الإصغاء على رأس قائمة هذه المراحل فالمترجم الفوري يعدّ مستمعاً مهنياً ومنتبهاً وبهذا المعنى يصغي بهمة عالية ونشاط باحثاً عن الأفكار وتسلسلها ويكتشف من خلالها نوايا المتحدث ومقاصده ويقوده الإصغاء إلى السماع الجيد إذ لا يمكن السماع دون الإصغاء ، فالإصغاء يسبق السماع كما ان النظر يسبق الرؤية وهنا ربما يواجه المترجم الفوري مشكلة في الإصغاء إذا ما رافق العمل ظروفاً سيئة أي من الناحية الفنية والميكانيكية وأجهزة الصوت وغيرها.

اما المرحلة الثانية فانها تتمثل بالتحليل إذ ان المترجم الفوري يحاول وبالسرعة التي تفرضها الترجمة الفورية تحليل الخطاب الذي أصغى اليه ويقوم التحليل على الفهم إذ لا يمكن ان يحلّل خطاباً دون فهمه وتعرف هذه المرحلة بالفرنسية بـ deverbalistation وهي المرحلة التي تقع بين الإصغاء واستلام الرسالة من اللغة الاصل وترجمتها ويختلف تحليل الخطاب باختلاف الموضوع الذي يعالجه المؤتمر وطبيعة اللغة المستخدمة ومستواها ونوع الخطاب فإذا تضمن الخطاب الترحيب والشكر والتقدير سوف يكون التركيز هنا على الشكل ، أما إذا كان الخطاب علمياً وفنياً سوف يكون التركيز على المضمون المعلوماتي .
وبعد أن يجتاز المترجم الفوري المرحلتين الأوليتين ينتقل إلى مرحلة الترجمة الفورية وإعادة الصياغة التي تعرف بـ (reverbalisation) فالمترجم الفوري الناجح هو الذي يمتلك القدرة على تقديم تراكيب لغوية صحيحة وسليمة ورصينة ولا يتأتى ذلك بصورة اعتباطية وإنما يتأتى ذلك من كثرة ممارسة الترجمة الفورية وقدرته على إعطاء المستمع لغة سليمة تركيبياً ودلالياً . ونجد هنا ان مهارة المترجم تكمن في قدرته على توزيع طاقاته بين ثلاثة اتجاهات أساسية وهي الإصغاء والتحليل وعمل الذاكرة .

وينبغي أن لا يغيب عن مخيلتنا ان هذه العملية كلها تتم بأجزاء الدقيقة ان لم تكن أقل من ذلك . وهنا ينصب جهد المترجم الفوري على جهد الذاكرة وكما هو معروف لدى أصحاب الخبرة ان الترجمة الفورية تتطلب جهداً فكرياً وعصبياً كبيراً ولابد من ان يكون في حالة استنفار قصوى ويكون تركيزه محصوراً على الخطاب ولذلك يتطلب من المترجم الفوري أن يتمتع بقسط من الراحة لكي يستعيد نشاطه ولا يصاب بالتعب والإعياء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق